الرئيسية أحوال الناس عاطلون عن العمل يستغلون حالات مرضية … بين الإحسان العمومي والاسترزاق الفايسبوكي

عاطلون عن العمل يستغلون حالات مرضية … بين الإحسان العمومي والاسترزاق الفايسبوكي

كتب في 19 سبتمبر 2022 - 12:09 ص

عاطلون عن العمل يستغلون حالات مرضية … بين الإحسان العمومي والاسترزاق الفايسبوكي

 

 

 

جراة: متابعة

 

بخطاب تطبعه العاطفة وبعض الكلمات الدينية، يختص بعض العاطلين عن العمل ممن يحتروفون “الكتابة”و الإحسان العمومي عبر استغلال المنصات الخاصة للتواصل الاجتماعي ولعب دور الوساطة مع نشر بعض أدعية بعض المستفدين لإضفاء الشرعية والنزاهة.

 

في كل مرة “حالة”  تتطلب تدخلا استعجاليا طبيا يكلف عملية جراحية تقدر أقلها بمليون سنتيم… قصص تحبك بعناية لجلب التعاطف واستقطاب المتبرعين في عملية تؤطر قانونيا ضمن الإحسان العمومي، فيما تمارس جمعيات مدنية أخرى نفس الأدوار دون أي مراقبة لحجم الأموال التي تجمعها جراء عملياتها الاحسانية، فهل يفتح الباب النصب والاسترزاق باسم المساكين والغلبة؟

 

من أساليب السعاية الجديدة أن ينشر “الوسيط” محادثة قد تكون مصطنعة ليبرر حجم التعاطف مع منشوراته، لكن لم يستطع أحد من هولاء بطنجة أن يكشف تفاصيل ما يتحصله وفيما انفقه، خصوصا أن عددا من “القائمين عليها” لا يمتهنون عملا قارا ما يسقطهم في شبه الاسترزاق .

 

كما تستغل بعض الجمعيات الغير الجادة نفس الحالات الطبية لانعاش صندوقها او انشط من خلال لعب دور الوساطة والسعاية تحت شعارات الجمعيات التنموية، في الوقت الذي لازال موضوع الإحسان العمومي قيد النقاش العمومي داخل قبة البرلمان.

 

*بين جدلية الإحسان والريع..إضاءات على مشروع قانون التبرع العمومي

 

يروج داخل الأوساط القانونية والسياسية، في الآونة الأخيرة، نقاش حول مشروع القانون رقم 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، حيث تسري مسطرة تشريعه بوتيرة سريعة، تنبئ بحضور تيار قوي يريد اعتماده، فيما تتصاعد من جانب آخر، نداءات بالتروي والتدقيق في ثغراته، مع المطالبة ببعض التعديلات، توحي بجوانب من أوجه “الريع” الذي سيحده القانون، فمعلوم أن الإحسان العمومي أصبح يفتح أبوابا عديدة ومتجددة على الفساد..

وبعيدا عن التمحيص في خبايا الحسابات السياسية، نقدم قراءة أولية لتصور المشَرع لعملية التبرع وتوزيعه حسب نسخة مشروع القانون.

بداية، نسلط الضوء على أبرز الضوابط العامة التي تؤطر العملية، ويجب التسجيل في هذا الصدد أن المشرع استثنى الأوقاف العامة وعمليات تمويل البحث العلمي من مجال سريان القانون، كما منع أي دعوة للعموم من أجل جمع التبرعات وتوزيعها إذا كانت لأهداف تجارية أو إشهارية أو انتخابية، والأبرز من ذلك، أنه منع تماما استغلال حالة شخص يوجد في وضعية هشة أو احتياج أو استغاثة.

ولعل أول ما يلاحظ في مشروع القانون هو تقييداته الجديدة لكل مراحل جمع التبرعات وتوزيعها، ففي البداية يجبر القانون على الحصول على الترخيص من أجل دعوة العموم للتبرع، عبر تقديم طلب إلى الإدارة المختصة ثلاثين يوما قبل موعد التبرع، ناهيك عن تحديد القيمة التقديرية للتبرعات المراد جمعها مع بيان كيفية توزيعها أو استخدامها..

أما عن مظاهر الضبط والتقييد التي طالت مرحلة ما بعد الحصول على الترخيص، فتتجلى في إجبار الجهة المرخص لها على إخبار السلطة المحلية المختصة بتاريخ ومدة ومكان العملية ولائحة الأشخاص الذين سيشاركون فيها 48 ساعة على الأقل، قبل مباشرة أي عمل من أعمال جمع التبرعات، فضلا عن وجوب إيداع الأموال المتحصل عليها لزوما في حساب بنكي مخصص لهذا الغرض وأيضا، ضرورة إخبار العموم، بكل وسيلة متاحة، بحصيلة التبرعات التي تم جمعها.

واستمرارا في نفس النهج، وتحت بنذ “مراقبة عمليات جمع التبرعات من العموم واستخدامها” يُلزم المشرع بموافاة الإدارة بتقرير مفصل عن عملية جمع التبرعات مع الإشارة إلى مجموع الأموال التي تم جمعها، بما فيها القيمة التقديرية للتبرعات العينية، بالإضافة إلى ضرورة إرفاق جميع الوثائق والمعلومات التي تثبت تخصيص الأموال المتبرع بها تحقيق الأغراض المعلن عنها.

وفي هذا الصدد، تجب الإشارة إلى نقطتين غاية في الأهمية، تخص الأولى تنصيص المشرع لحالات تتمتع فيها الإدارة بسلطة وقف عملية التبرع، إذ خول لها ذلك في خمس حالات، واقعية وقانونية وقضائية ـ يمكن التفصيل فيها بالرجوع إلى المادة 26 من مشروع القانون ـ فيما تتعلق الثانية بفرضية بقاء أموال بعد تحقيق الغرض المخصص له التبرع، حيث يجبر القانون على تحويلها إلى مؤسسة خيرية، تختارها وتحددها الإدارة، وهنا تطفو أولى مظاهر منطق الوصاية على الأموال المتبرع بها.

أما على صعيد شروط وقواعد توزيع المساعدات، فتؤطر بدورها بإلزامية القيام بوضع تصريح لدى العامل، والأكثر من ذلك، يخول لهذا الأخير الاعتراض على توزيعها أو توقيفها، كلما تبين له أن العملية قد تمس بالنظام العام، أو تتزامن مع فترة انتخابات، أو تخل بأحد شروط وقواعد القانون نفسه، وفي هذه الحالة تحدد لجنة تحدث لهذا الغرض، المناطق الهشة التي يمكن استهدافها لتوزيع المساعدات التي اعترض عليها العامل.. وغير خاف أن هذا الوضع وإن كان يقبل النقاش في مدى طغيان الهاجس الأمني، إلا أنه يحمل الكثير من التقزيم بل الإلغاء لأدوار وأهداف الجمعية التي قامت بعملية جمع التبرعات، لصالح تكريس منطق الوصاية على الأموال المشار إليه سابقا.

وعودة لضوابط القانون، فكما هو شأن جمع التبرعات، فإن توزيع المساعدات أخضِع بدوره لإلزامية تقديم تقرير مفصل حول عملية التوزيع، ناهيك عن توجيه العامل لتقارير دورية مفصلة عن عمليات جمع التبرعات وأوجه استخدامها وكيفيات توزيع المساعدات، إلى السلطات الحكومية المعنية، إذ أصبح للأمر امتداد ضبطي إلى المستوى المركزي.

وقبل الختم، تجب الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى كل ما سبق، يزكي مشروع القانون صور التقييد والضبط لصالح الإدارة بمقتضيين إضافيين أساسيين، تكمن أهميتهما وخطورتهما في صبغتهما العمومية المجردة، إذ خوّل للإدارة بصريح العبارة “جميع الصلاحيات اللازمة لتتبع ومراقبة عمليات جمع التبرعات من العموم وعمليات صرف أو توزيع حصيلتها من أجل الأغراض المخصصة لها، بما يستلزم من حصول على جميع المعلومات والوثائق ذات الصلة، وأيا كانت الجهة التي توجد بحوزتها هذه المعلومات والوثائق”، إضافة إلى إلزام الجهة الراغبة في توزيع المساعدات بالاستجابة لكل طلب توجهه الإدارة قصد الحصول على جميع المعلومات والوثائق المتعلقة بعملية توزيع المساعدات، لا سيما توضيح القيمة المالية التقديرية للمساعدات المذكورة ومصادر تمويلها، والخضوع لكل إجراء من إجراءات المراقبة المتعلقة بذلك.

وأخيرا، نثير مسألة تماهي النص القانوني مع الطابع الزجري الذي طغى على الأفق التنظيمي، بحيث يتعجب قارئه من ثقل العقوبات التي تضمنها بابه السادس، فحتى إن كانت كلها ذات طبيعة المالية، إلا أنها ولجسامتها يمكن أن تمتد إلى عقوبات سالبة للحرية فيما يعرف بنظرية الإكراه البدني.. الأمر الذي يجعلنا نستحضر مجددا، المعادلة التي استهللنا بها المقال، فأي ريع استوجب كل هذا التقييد؟ ولأي كفة ستنتصر النسخة النهائية من القانون؟

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .